كلمة السيد رئيس قسم الهندسة الميكانيكية

منذ أن دوّى صوت الماكنة البخارية في أواخر القرن السابع عشر، تغيّر وجه التاريخ الإنساني. فقد شكّل ذلك الحدث الجليل بزوغ فجر الثورة الصناعية، حين امتلك الإنسان للمرة الأولى مفاتيح الطاقة الميكانيكية التي أطلقت عجلة التقدم نحو آفاقٍ لم تكن تُدرك من قبل. ومن رحم تلك الشرارة الأولى وُلدت الهندسة الميكانيكية، العقل الذي يفكك أسرار الحركة، ويعيد تركيبها لتصبح طاقةً تصنع الحضارة وتُبقيها حيّة متجددة.

لقد أصبحت الطاقة والآلة جناحي الحضارة الحديثة، وأضحت الهندسة الميكانيكية القلب النابض لكل ما نراه من عمران وصناعة وتكنولوجيا. فهي لغة التطور التي تخاطب المستقبل بعقلٍ تحليليٍ وإبداعٍ تقنيٍ متجدد، ومن هذا المنطلق كان لا بدّ لكل أمةٍ تطمح إلى النهوض أن تُعلي من شأن هذا التخصص، وأن تضعه في صدارة مشاريعها العلمية والتنموية.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، حرصت جامعة ذي قار منذ تأسيس كلية الهندسة على أن يكون قسم الهندسة الميكانيكية ركيزةً أساسية في بنيانها الأكاديمي، ومنارةً تشعّ بالمعرفة والخبرة، تسهم في إعداد مهندسين يمتلكون العلم والضمير والقدرة على البناء.

لقد مضى قسم الهندسة الميكانيكية بخطى واثقة، فخرّج منذ تأسيسه نخبةً من الكفاءات التي تركت بصمتها في ميادين الصناعة والطاقة والبحث العلمي داخل العراق وخارجه. ولم يكن دوره مقتصرًا على التعليم الأكاديمي فحسب، بل تجاوز ذلك ليكون بيت خبرةٍ هندسيًا يسهم في تطوير المجتمع من خلال الدراسات التطبيقية والبحوث المتقدمة التي ينشرها كادره التدريسي في أرقى المجلات العالمية.

واستكمالًا لمسيرته في التطوير والتحديث، افتتح القسم برنامج الدراسات العليا (الماجستير) عام 2014–2015، ليكون منبرًا للبحث العلمي الرصين، تلاه في عام 2017–2018 استحداث دراسة الدبلوم العالي في الهندسة الميكانيكية، ثمّ في عام 2022–2023 افتتاح فرع هندسة الطاقة إلى جانب فرع الميكانيك العام، ليرفد المجتمع بمهندسين متخصصين في المجالات الحرجة التي تمسّ حاضر العراق ومستقبله الطاقوي والصناعي.

وفي عام 2024، أضيف إلى مسيرة القسم إنجاز جديد تمثّل في استحداث دراسة **الدكتوراه في تخصص الحراريات**، ليعزز موقع القسم كمركز علمي وبحثي رائد في هذا المجال الحيوي، ويواصل تأهيل الكوادر العليا القادرة على الإبداع والابتكار والمساهمة في بناء منظومة الطاقة الوطنية.

كما يستعد القسم بحلول عام 2027 لاستحداث **برنامج الماجستير التطبيقي في التصنيع**، في خطوة طموحة تهدف إلى ربط المعرفة الأكاديمية بالواقع الصناعي التطبيقي، وإعداد مهندسين يمتلكون أدوات البحث والتطوير الصناعي ضمن بيئة هندسية متقدمة.

إنّ قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة ذي قار ليس مجرد قاعة علم، بل هو منظومة فكرٍ وإبداعٍ ومسؤولية وطنية. نؤمن بأن الهندسة ليست مهنةً فقط، بل رسالةٌ تُترجم العلم إلى نهضة، والطاقة إلى ازدهار، والفكر إلى بناءٍ حضاريٍ مستدام.

وسيبقى قسمنا بإذن الله منارة علمٍ وبحثٍ وإبداع، يقدّم للوطن والعالم مهندسين يحملون في عقولهم العلم، وفي قلوبهم الإخلاص، وفي أعمالهم الإتقان، ساعين إلى ترسيخ مكانة العراق في فضاء التطور العلمي والصناعي المعاصر.

أ.م.د. مصطفى محمدعلي منصور الانصاري